قصة قصيرة

سأعود يوما يا حلب

مدينتي حلب مهد طفولتي فيها نشأت أحلامي، وفيها كبرت آمالي رويدا رويدا، كنت أرى فيها حضنا دافئا بين الأزقة الشعبية وأحجارها الصماء، التي نالت ما نالت من نصيبها من الدمار خلال الثورة السورية.
عند انطلاق الثورة السورية كنت حينها أبلغ من العمر 18 ربيعا، وأذكر جيدا كيف كانت القبضة الأمنية شديدة على المدينة، مما أخر انطلاق المظاهرات داخل المدينة، حتى أذن الله للثورة بأن تشتعل، ما زلت أذكر جيدا إحدى المظاهرات الليلية عندما ألقى علينا الأمن قنابل مسيلة للدموع، ثم قام بإطلاق الرصاص الحي بشكل مباشر علينا، حينها تمكنت من النجاة لكن بعضا من أصدقائي سقطوا شهداء وجرحى، في هذه المرة نفدت من الموت بأعجوبة، لكنني لم أدرك حينها أن ما هو أصعب من الموت ينتظرني، فبعد يومين خرجت أيضا بمظاهرة كبيرة إثر صلاة الجمعة وخلال المظاهرة تكرر ذات المشهد وأطلق علينا الأمن التابع لعصابات الأسد الغاز المسيل للدموع والرصاص المباشر، وقعت بجانبي قنبلة غاز فاختل توازني وكدت أسقط أرضا فاستندت على جدار لأحتمي من الرصاص، فوجدت نفسي محاطا بمجموعة من قطعان الشبيحة الذين اقتادوني للأسر وهنا بدأت المعاناة الطويلة.
دخلت المعتقل بتهم لم أسمع بها من قبل كلها لفقت لي فقط لأنني طالبت بالحرية، تعرضت لشتى أصناف العذاب النفسي والجسدي، ولله الحمد خرجت بعد سنة كاملة من القهر والعذاب، خرجت حينها أعاني من أمراض عدة، انتظرت أكثر من 6 أشهر حتى تمكنت من الوقوف على قدمي، ولم أتردد للحظة في الانضمام لصفوف المجاهدين، لانتقم من أولئك الوحوش.
حملت السلاح وخضت معارك التحرير مع أبناء حلب وكنا نسترد حقوقنا بالقوة، فكسرنا جبروت الأسد وظلمه، ليستعين بميليشيات طائفية لا تعرف سوى الحقد وسفك الدماء، ناهيك عن المحتلين الروسي والإيراني اللذين أدركا بشار قبل سقوطه.
كانت مدينة حلب لها ثقلها في المعركة فأراد العدو أن يفرض وجوده فيها، فبدأت تنهال علينا أطنان من الحمم والصواريخ والقنابل العنقودية، كان الخاسر الأكبر هم الأهالي، إذ دفعوا فاتورة كبيرة، فقدت خلال أعوام الحصار والقصف الممنهج عددا كبيرا من أصدقائي وأقاربي، وأحد إخوتي، عشت حينها أصعب أيامي، كنا نخرج من الأحياء شيئا فشيئا حتى بدأ الحصار المعروف في حلب، عشنا تلك الأيام كأنها سنين، لكن الأمل كان موجودا وبقوة ، لأننا نعلم أن الفصائل العسكرية لن تخذلنا وكان ذلك خلال معارك فك الحصار، قاتلنا بشراسة ودافعنا بأظفارنا عن أرضنا، نعم كانت المعارك يوم لنا ويوم علينا، كان كرا وفرا، نعم فقدنا أرضا لكننا كسبنا إنسانا حرا مؤمنا بقضيته.
بعد اشتداد المعارك خرجنا من المدينة وكلنا شوقا إليها وأملا بالعودة، وحتما سيأتي اليوم الذي سنرجع فيه إلى حلب فسأعود يوما يا شهباء فاتحا منتصرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى