قصة قصيرة

المحروم من حرم الجنة 

في إحدى جلساتهم الشبابية كانوا يشاهدون مقاطع مفجعة قادمة في سوريا، شبان ثلاثة في مقتبل العمر بإحدى الدول العربية يتابعون بشغف ثورة السوريين يتابعون مشاهد المظاهرات وقمعها بالرصاص الحي فيحوقلون ويملأ صدورهم الحزن والغم على أولئك المستضعفين.
أولئك الشبان الثلاثة كانوا طلابا جامعيين وكثيرا ما كان يدار حديث الثورات العربية بينهم وبين زملائهم، كان شغلهم الشاغل أعداد الشهداء والمعارك الدائرة في سوريا، وماذا حرر الثائرون؟ وأين وصلوا؟ وأين قصفت عصابات الأسد اليوم؟
لم يطل الأمر حتى حسم محمد وسليمان وعوض أمرهم ليحزموا أمتعتهم ويقرروا التوجه إلى سوريا نصرة لإخوانهم هناك بعد أن يأسوا من نصرة الدول لذاك الشعب المظلوم، وبالفعل انطلقوا الثلاثة بحماس منقطع النظير وصلوا سوريا استقبلهم أحد الناس فعرفهم من ملامحهم واستغرابهم بأنهم ليسوا سوريين، فاستضافهم في بيته يومين ثم ساعدهم بالوصول لإحدى الفصائل الثورية وكانت وقتها كتائب تحرير الشام وهناك بدأ مشوارهم.
تلقى الثلاثة تدريبات عسكرية مكثفة لعدة أشهر ثم انتقلوا للمشاركة مع إخوانهم في صد عصابات الأسد ورد ظلمهم وحماية الأهالي من ظلم ضاقوا ذرعا به.
بدا الشوق يبدو شيئا فشيئا للديار والأهل لكن المهمة كانت أسمى فدمعات الأمهات أثناء المكالمات الهاتفية لم تزعزع عزيمتهم الراسخة، فكانوا يواسون أهاليهم بعظم المهمة وجزيل الثواب.
وفي أحد الأيام أخبرهم الأمير أنهم يخططون لتحرير مدينة الرقة وسيختارون أحدهم ليشارك بالمعركة فطلب الثلاثة أن يكونوا ضمن المشاركين إلا أن القائد رفض بسبب أن المعركة لا تحتاج لعدد كبير، فوقع الاختيار على سليمان ليكون في المعركة، فكانت معركته الأخيرة.
ارتقى سليمان بغارة جوية بعد تحرير مدينة الرقة وهو في طريقه لحصار الفرقة 17 مع رفاقه، أما عوض فاختير هو الآخر ليشارك بإحدى المعارك بأرياف حلب ليرتقي أيضا بعده بيومين أثناء قتال ميليشيات تابعة للمحتل الإيراني.
أتيا لينصرا شعبا مظلوما ، فإذا بهما يتركان الديار والأهل والمال والجاه ليقدما روحهما، وكأنهما يقولان اشهد ربنا أننا ما ادخرنا جهدا لنصرة إخواننا في الدين، تلقى محمد الخبر بصدمة قوية فرفاق الدرب تركوه وحيدا وحملوه أمانة عظيمة، إلا أنه كان يواسي نفسه بأنهما قد نالا ما تمنيا، وأنهما أديا واجبا سيسأل عنه الكثيرون ممن خذلوا الشعب السوري.
أصبح محمد أكثر إقداما وشجاعة بعد ارتقاء رفيقيه وكان كثيرا ما يدعو بأن ينال الشهادة، وبالفعل كان له ذلك في ريف اللاذقية عندما تلقى رصاصة من أحد قناصي ميليشيا نصر الله في جبال اللاذقية أثناء تحرير إحدى النقاط في تلة “تشالما”. لينتهي مشوار طويل بالأحداث والبطولات، قصير الأيام والليالي، مشوار بدأ بخطوة جريئة لم يجرؤ عليها كثير من الدول العربية والإسلامية.
كان الشبان الثلاثة قد كتبوا وصاياهم وأودعوها عند أحد رفاقهم وكلفوه بتبليغ أهاليهم بها بعد مقتلهم، وعندما ارتقى الثلاثة كان لا بد من تنفيذ الوصية فقام أبو حفص بإخراج الوصايا وقراءة ما فيها ليخبر أهاليهم بمضمونها، كانت صدمة قاسية لا شك لكن سمو الهدف ورفعته أعلى من ذلك.
وفي اليوم التالي وجد رفاق سليمان ومحمد وعوض على لوحة الإعلانات في الكلية التي كانوا يدرسون بها في بلادهم: الطلاب فلان وفلان وفلان محرمون من تقديم الامتحانات لغيابهم الطويل، فكتب الرفاق تحت الإعلان المحروم من حرم الجنة….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى