قصة قصيرة

انشقاقي من قلب رحى الموت

تبدأ الحكاية من حدث شابهت به الكثيرين، من حدث غير معالم سوريا وأثر على حياة ملايين السوريين، لكن لكل إنسان حكايته وقصته الخاصة التي حفرت في ذاكرته خطوطا لا يمكن أن تمحى.
كنت أرى في الانضمام إلى قسم الشرطة هدفا يستحق العناء وبذل الغالي والنفيس، وبالفعل دخلت كلية الشرطة أيام حكم البعث وآل الأسد لسوريا وأصبحت ضابطا في قسم مكافحة الشغب في العاصمة دمشق وكنت وقتها في مقتبل العمر، فخلت أني حققت مرادي فكنت سعيدا بذلك.
الجميع يعرف كيف بدأت الثورة وكيف حاولت عصابات الأسد إخفاء الحقيقة عن الجيش والشرطة والادعاء بأن الثورة السورية أمر دبره بليل حفنة من قطاع الطرق واللصوص، إلا أن الأمر كان أخفّ وطأة في الشرطة منه في الجيش فكنا نرى ونسمع ما يجري مع أن الصورة كانت مغلوطة بعض الشيء.
قصتي بدأت عندما أمرنا بالخروج لقمع إحدى مظاهرات حي الميدان في العاصمة دمشق عندما وقفت متفرجا على شجاعة أولئك الأبطال مندهشا من ثباتهم وكم كان يتملكني شعور العزة والإباء عند سماع صيحاتهم وكنت أتمنى أن أكون معهم إلا أن الخوف من الملاحقة الأمنية حال دون ذلك، لم أعلم أن أحد عناصري من الطائفة العلوية الموالية يراقب امتناعي عن مشاركتهم بجريمة قمع المتظاهرين الذين يطالبون بأبسط حقوقهم، وما كان من ذلك العنصر الخسيس إلا أن أوصل ما رأى إلى القيادة وفي اليوم التالي استدعيت للتحقيق ثم أودعت السجن دون تهمة واضحة، فشاهدت في السجن أناسا أبرياء لوحقوا لمشاركتهم بمظاهرة واحدة لمدة عشر دقائق أو هتفوا ببعض الشعارات، سمعت حكايا تدمي الفؤاد وعاينت قصصا يعتصر الحجر لها ألما وكمدا، فكان ذلك يواسيني في محنتي وسجني.
بعد بضعة أشهر خرجت من السجن لأعود إلى عملي في القسم ، تفاجأت أن الثورة أخذت منحى آخر واتجهت نحو العسكرة فلم أستغرب ذلك لأن القمع كان وحشيا ولا يمكن لعاقل أن يبقى يواجه الموت بيدين فارغتين، وبعد أسبوع واحد قررت الانشقاق كيف ومتى لا أعلم حينها لكنني رأيت وقتها الانشقاق عن عصابة الأسد أمرا لا بد منه وبالسرعة القصوى فالمكان ليس بمكاني والعمل ليس بعملي، بدأت أفكر بأهلي وزوجتي وولداي ماذا سيحل بهم وكيف سيكون الانتقام خاصة وأنني أقطن في مناطق يسيطر عليها الأسد، وبعد يومين أخذت إجازة وحزمت أمتعتي وأوهمت من معي أنني أريد الراحة فانطلقت إلى أحد رفاقي واختبأت عنده في المنزل.
بعد انتهاء الإجازة بدأ البحث عني إذ داهمت عصابات الأسد منزل أهلي عدة مرات وقاموا بتهديد زوجتي، إلا أنهم استطاعوا الهروب والعودة إلى القرية في ريف حماة الشمالي التي كانت محررة بعد دفع مبلغ مالي كبير، أما أنا فكنت في حي كثيرا ما يتعرض لعمليات المداهمة وحين المداهمة كنت أختبأ في سقيفة المنزل ويقوم رفيقي ببناء الفتحة وتسكيرها بالكامل فيدخل عناصر المداهمة فيجدون حائطا مسدودا، كنت أعيش لحظات قاسية كأنني في قبر أحيانا كنت أبقى ليوم أو يومين حتى نتأكد أن عناصر العصابات ابتعدوا بقيت أكثر من ثلاثة أشهر  وأنا محاصر داخل ذلك المنزل، يحاصرني الموت من كل مكان إلا أن الله كان معي في كل نفس، فأدركت حينها أنني يجب أن أخرج بعد أن أصبحت بعض المناطق محررة وآمنة بدأ رفيقي يبحث عن أشخاص يعرفون طريقا نحو بر الأمان استغرق الأمر عدة أيام من البحث والسؤال إلى أن توصلنا إلى شخص كان يدعى إن صح التعبير بالعميل المزدوج حيث أن همه فقط المال.
استطعت الخروج من ذلك المكان بعد دفع الأموال التي أرسلها لي والدي من القرية، وبعد طريق طويل ومحفوف بالمخاطر والمهالك استطعت الوصول إلى بادية دير الزور، وفور وصولي تعرفت إلى بعض الثائرين من محافظتي فبقيت معهم وحملت السلاح الذي كان يجدر بي أن أحمله لأنافح عن المستضعفين والمظلومين.
بقيت نحو عام كامل حتى استطعت أن أصل إلى قريتي التي تحررت من عصابات الأسد والتقيت بزوجتي ووالدي وأبنائي فكانت فرحة عظيمة اجتمع فيها فرح النصر وفرح لقاء الأهل، واليوم أفتخر لأني انشققت عن هذه العصابة المجرمة، كما وأعتز بأني أحمل السلاح على ثغور المحرر لأحمي ثورة وشعبا ظلمه العالم أجمع لا لشيء إلا لأنه أراد أن يحيى حرا كريما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى