قصة قصيرة

أبى إلا أن يكون آخر المنسحبين

في إحدى قرى ريف إدلب الجنوبي يقيم عدي مع عائلته، هم ثلاثة شبان اضطرتهم جرائم الأسد لحمل السلاح فليس لقريتهم سوى شبابها للدفاع عنها، كان عدي الأخ الأوسط في عائلته يخرج للرباط والمعارك ثم يعود فتستقبله أمه بقبل حارة ودموع ذارفة.
المعركة بالنسبة لعدي أضحت أمرا عاديا فاعتاد أزيز الرصاص وصوت المدافع بل باتت جزءا من حياته التي لم يسعد فيها كثيرا بسبب ظروف الحرب بعد أن تعرضوا للقصف هو وعائلته عدة مرات.
في عام 2017 بعد تدخل المحتل الروسي اشتدت المعارك أكثر وأصبحت أكثر خطورة وضراوة لكن عدي كان من عشاق ذلك، صبيحة يوم الخميس من شهر شباط كان على عدي أن يتوجه برفقة 6 من أصحابه إلى تلة صغيرة على مقربة من بلدة معان بريف حماة لأن الوضع كان متوترا وهناك أنباء أن عصابات الأسد والمحتل الروسي سيشنون هجوما على المنطقة.
خرج عدي بنشاط وحيوية وقبل انطلاقه تفقد أدواته وسلاحه ثم صعد بالسيارة، لم يكن يدري ماذا سيحصل ذاك اليوم فالأمر بدا جدُّ عادي، بعد ساعات من وصولهم لتلك التلة أرسلت غرفة العمليات سيارة دفع رباعي مزودة برشاش عيار 23 ملم لتعزيز الموقع، ثم بدأ عدي ورفاقه بمعاينة المكان ودراسة التضاريس بعد أن أطلعهم قائد عسكري على حيثيات المنطقة وأماكن العدو والنقاط الصديقة المجاورة.
أعد الشباب الشاي وسط ضحكات ومزاح، فتناولوها ثم انصرف أمجد وأبو محمد لدشمة كانت معدة للرصد والبقية بعضهم بدأ يقرأ القرآن وآخرون شرعوا بصلاة نافلة.
بعد ساعتين تلقى أبو محمد رسالة من الجهاز اللاسلكي بضرورة رفع الجاهزية والاستعداد أخبر أبو محمد المجموعة كاملة ليأخذوا مواقعهم لكن الأمر بدا عاديا، لا قذائف ولا حركة تذكر داخل تحصينات العدو، “يبدو أن رصدنا قوي” قال أبو الحسن وهو يرشف كأس الشاي، أجاب عدي لا على العكس يبدو أن التحذير مبالغ فيه، وعندما هبط الظلام بقي الجميع في حالة ترقب حتى بزوغ الفجر.
قامت المجموعة بأداء صلاة الفجر وبعد الانتهاء بدقائق معدودة سقطت أولى القذائف على خط الجبهة للتتوالى بعدها مئات الصواريخ والقذائف، هنا أدرك الجميع صحة معلومات غرفة العمليات، فأخذ الجميع موقعهم، ليتفادوا الكم الهائل من القذائف والصواريخ، وبعد ساعة كاملة بدأ الاقتحام لدبابات العدو، كان عدي ورفاقه يتصيدون عناصر العصابات من أعلى التلة فبدت معالم النصر تبدو على أرض المعركة، إلا أن طائرات المحتل الروسي بدأت تكثف غاراتها بشكل هيستيري، محاولة قطع طرق الإمداد عن الخطوط الأمامية وبالفعل بدأت سرايا الإخلاء تجد صعوبة بإيصال الذخيرة ونقل الجرحى.
يقول عدي بدأ القلق يساورني شيئا فشيئا فأنا أرى قطعانا ضخمة نحونا من العدو، نعم قتلنا الكثير لكن الأكثر لا يبالون بأرواحهم كأنهم مجبرون على الموت، ثم إن الذخيرة بدأت تقل شيئا فشيئا، تواصل أبو محمد مع غرفة العمليات لإرسال الذخيرة وخاصة ذخيرة المدفع الرشاش فكان الرد بأن الوصول إليك يتعذر في الوقت الحالي للكثافة النارية على طريق الإمداد.
بعد أكثر من 10 ساعات جاء الأمر من العمليات بإخلاء التلة لصعوبة المقاومة فيها ونسبة الخطورة العالية، تلقى أبو محمد الأمر لكنه كان مترددا حاول إقناع العمليات لكن الشجاعة وحدها لا تكفي في المعركة، أطرق أبو محمد قليلا ثم قال: “اطلعوا يا أخوة”.
كانت الخطة الانسحاب إلى أسفل التلة وبقاء السيارة مع اثنين ليغطوا انسحابها فكان عدي وأبا محمد الاثنين اللذين بقيا، انسحب القسم الأول واستطاعوا الوصول للمنطقة المطلوبة بنجاح، ثم انسحبت السيارة مع طاقمها، ليأتي دور أبي محمد وعدي.
يتحدث عدي عن تلك اللحظات فيقول كنت أنا وقائد المجموعة وحيدين على التلة رأيت أكثر من عشرين عنصرا بدؤوا بالتسلق باتجاهنا وخلفهم العشرات للوهلة الأولى لم أدر ما أفعل لتأتني صفعة قوية من أبي محمد أفاقتني وهو يصرخ بأعلى: صوته انسحب …انسحب أنا رح غطي عليك…. قول الله….
تراجعت للخلف مسرعا وبعد نحو 20 مترا وقفت أنتظره خلف صخرة وأنا أطلق النار باتجاه العدو فانسحب أيضا لخلفي بنفس المسافة ، وهكذا حتى وصلنا لمنحدر فكان دوري بالركض فركضت ولكن هذه المرة أمرني أن أصل لبر الأمان دون توقف فتجاوزت مسافة نحو 150 مترا حتى وصلت أشجار زيتون تتصل للخط الدفاعي الثاني فهنا علمت أني في أمان، انتظرت أبا محمد وأطلقت بضعة رصاصات انتظرت أكثر لكن أبا محمد لم يظهر.
وبعد نحو 10 دقائق فوجئت بعناصر العدو يتقدمون نحوي فعلمت أن أمرا ما قد أصابه فربما قتل أو أسر أو ربما لم ينسحب ليشغل العدو عني ويؤمن لي الحماية، لم أسيطر حينها على دموعي.
بعدها أدركت ضرورة الانسحاب فلا فائدة من الانتظار فكان شجر الزيتون غطاء طبيعيا مكنني من الوصول لرفاقي المرابطين وبعد ذلك وصلت المؤازرات التي كانت تنوي القيام بهجوم معاكس لاستعادة التلة، ثم بدأ قصف عنيف على مجموعات العدو المقتحمة بمختلف أنواع الأسلحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى