تحليل عسكري

دراسة عسكرية حول المسافة صفر

مع الطبيعة البشرية المتغيرة والمتطورة، تنتشر دائما مصطلحات جديدة تتناسب مع التطورات والتبدلات الجارية للتعبير عن حدث أو مفهوم ما، فقد انتشر مصطلح المسافة صفر في الآونة الأخيرة في المجال العسكري وخاصة مع أحداث غزة، مع استخدامه مسبقاً في التدريبات العسكرية.
وهذا المصطلح مستخدم في العلوم التطبيقية مثل الرياضيات والفيزياء وحتى في السياسة، وهو يشير إلى قرب جسمين أو نقطتين لدرجة الالتصاق، أو القرب الشديد الذي تنعدم فيه تلك المسافة وتصبح غير ذات قيمة من حيث القياس، وليس للصفر قيمة في الرياضيات إذا أتى وحده، لكن له قيمة كبيرة عند تحقيقه في المجال العسكري، وهي أشبه بحرب السيوف التي كانت تحتاج إلى الالتحام لبدء القتال والمبارزة وتعد حرب الشجعان.
بينما يقصد بالمسافة صفر في السياق العسكري هو الاقتراب من العدو والالتحام معه ضمن مسافة لا تزيد عن 50 مترا، لتحقيق مهمة عسكرية محددة.
هذا ويستخدم ذلك التكتيك لتعويض الفارق العسكري والتكنولوجي بين القوات المتصارعة؛ لمقاومة أسلوب الأرض المحروقة، فالتقرب الشديد من القوات المعادية يحرم العدو من استخدام القوة النارية على نطاق واسع، كما يستغل نقاط ضعفه الحسية والمعنوية.
فيما توفر المناطق المبنية والغابات الكثيفة والجبال الوعرة البيئة المناسبة لمثل تلك التكتيكات، نظراً لتوفر درجة عالية من التمويه والحماية لتقرب القوات واختفائها، ويصعب تحقيق هذا النوع من التكتيكات في المناطق المفتوحة والصحراوية لصعوبة الاختفاء والتقرب باتجاه القوات المعادية.
ولنجاح هذا التكتيك لا بد من بيئة مناسبة لتطبيقها، ومقاتل مدرب على هذا النوع من التكتيكات (عقيدة وسرعة ومهارة)، وأساليب وتكتيكات تساعد في تطبيق المسافة صفر (أنفاق وتسلل وذئاب منفردة…).
ففي قطاع غزة استغلت المقاومة الفلسطينية جُبن وخَور وضعف اليهود، وركزت على ذلك بالاقتراب الشديد منهم، مستفيدة من الأنفاق والبيئة المدنية ونوعية المقاتلين، وكان لذلك الأثر العظيم على معنويات عدوهم، وكثيراً ما وجدناهم يفرون من دون قتال وذلك مصداق قوله تعالى في سورة الحشر: “لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ”.
وأما عن إمكانية تطبيق هذا التكتيك في سوريا فأن الكثير من العمليات النوعية والانغماسية على الخطوط الأمامية والخلفية نَفذت وتُنفذ هذا التكتيك، مع الاختلاف في الطريقة بناء على البيئة الجغرافية المتوفرة، وعقيدة كل صنف من صنوف القوات الخاصة العاملة ضمن غرفة عمليات الفتـ ـح المبيـ ـن، فتارة كان الوصول إلى المسافة صفر بإجراءات أمنية وتارة بالذئاب المنفردة وتارة بالتسلل وتارة بالأنفاق.
ومع الإبداع والتطوير في أساليب المواجهة يمكن المحافظة على هذا النوع من التكتيكات، وتعمل غرفة عمليات الفتح المبين على تطوير أساليب المواجهة على ضوء مبادئ الحرب، والتركيز على نقاط ضعف العدو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى