تحليل عسكري

أين يريد الإيرانييون الوصول بالتشيع وخطة الهلال الشيعي

تسعى إيران جاهدة إلى نشر التشيع في سوريا وخصوصا في المناطق الشرقية، فعملت على ذلك بشكل كبير حتى قبل انطلاق ثورات الربيع العربي، لذلك تمثل المنطقة الشرقية حجر الأساس لمشروع التغيير المذهبي الذي تسلكه طهران تجاه سوريا، واستخدامها كمصدر عسكري مستقبلي لتقوية دعائم المشروع، وكان من أبرز تلك المشاريع بناء قاعدة الإمام علي في مدينة البوكمال السورية في منتصف عام 2018 بعد قرار اتخذه المرشد الإيراني “علي خامنئي” الذي كلف قاسم سليماني زعيم ميليشيا فيلق القدس الإيراني -الذراع العسكرية الخارجية للحرس الثوري الإيراني-، واختيار الاسم بني على ركيزة قدسية الإمام علي لدى الشيعة مما يسهل عملية جذب واستقطاب العنصر الشبابي القادر على حمل السلاح تمهيدا لضمه إلى مجموعات قتالية تعمل تحت الإمرة الإيرانية.
البوابة التي ينطلق منها مشروع إيران للتغيير المذهبي تعتمد على اللعب على المشاعر الدينية لأتباعهم إضافة إلى من تصفهم إيران بـ “المؤلفة قلوبهم” وهم من المكون السني ومن الجماعات التي تعمل ضمن إطار المجموعات الموالية لإيران كقوات الدفاع الوطني السورية المحلية التي تأتمر بمجموعة من القيادات الإيرانية، كما تنشر التشيع لتعطيل التفكير لدى المنتسبين لمشروعها واستخدامهم كحطب لمعركة إيرانية بعيدة عن الأهداف الجغرافية التي ينتمون إليها وبذلك تعد وسيلة ناجعة تستخدمها إيران في استقطاب الموالين لها، لكن الهدف الإيراني الإستراتيجي بعيد المدى يتمثل في زيادة رقعة السيطرة الجغرافية خارج خارطة إيران وبالتالي تنطلق من خلال الأرضية التي عملت عليها للوصول إلى أعلى المكتسبات السياسية من خلال النفوذ الميليشياوي الذي شكلته من خلال الفصائل المحلية الموالية لها للتأثير في القرار السياسي والعسكري والاقتصادي وصولا إلى التأثير على تشكيل الحكومات المتعاقبة بموجب القدرة والتأثير من خلال الأحزاب المشكلة الموالية لها والتي تدير أذرعا عسكرية.
ربما لم تتضح الأمور في الساحة السورية إلى الحد المطلوب لإيران لكن المسألة باتت واضحة في لبنان والعراق وضوح الشمس، فميليشيا حزب الله اللبنانية باتت الجهة الشبه رسمية التي تتعامل معها الدول في قضايا إستراتيجية مهمة ومن أبرزها ترسيم الحدود البحرية وكذلك على الضفة الأخرى فحكومة الإطار التنسيقي العراقية هي الذراع السياسي لتشكيلات ميليشيا هيئة الحشد الشعبي التي باتت تتحكم في المشهد العراقي وبشكل شبه كامل.
عمليا أصبح العراق قاعدة عسكرية كبيرة تنطلق من خلالها العمليات العسكرية التي باتت تهدد الأمن المحلي والإقليمي والدولي وصولا إلى عمليات القرصنة البحرية واستثمار جهود الدول العربية في الجغرافية المرتهنة لإيران لخدمة مشروعها التوسعي، وتمثل هذا التماسك الكبير للميليشيات المؤتمرة بملالي طهران أحد أهم الخواصر الرخوة التي باتت تهدد جسد الأمة العربية والإسلامية على مدى قرابة 20 عاما الأخيرة ولا تزال وسائل النفوذ تتنامى يوما بعد يوم في ظل غياب أي مشروع “أمن قومي” إسلامي وعربي لمواجهة التغول الفارسي على المنطقة العربية إضافة إلى الأرضية الدولية التي تمنحهم القدرة على التحرك بحرية وضرب الدول العربية دون توجيه إي ضربات تجاههم.
كما أن الاستدارة الأمريكية الثالثة عن منطقة الشرق الأوسط باتت تهدد المنطقة عسكريا وبشكل كبير لا سيما بعد أن كان التحالف العربي الأمريكي إستراتيجيا لما يخص مواجهة إيران وانتقاله إلى تحالف هش بالتزامن مع الغزو الروسي لأوكرانيا وأولويات الولايات المتحدة بملف صعود القطب الصيني الذي بات أحد أهم الملفات الضاغطة أمريكيا لمنعه من التحقق وبذلك تركت المملكة العربية السعودية ودول الخليج عموما فريسة لصواريخ الميليشيات المرتبطة إيرانيا مما أجبر تلك الدول الى تنويع مصادر السلاح والانتقال من المشروع الأمريكي إلى المشروعين الصيني والروسي، وأعتقد بأن المتضرر على المدى البعيد بالدرجة الأولى هي الولايات المتحدة ثم دول الخليج العربي نظرا لما تمثله من أهم مصادر للطاقة التي من المحتمل أن تكون البديل أوروبيا في حال قطع الغاز الروسي عن دول الاتحاد الأوروبي.
الهلال الشيعي الذي يراد تأسيسه مهدد لأن المعادلة الإيرانية طرأت عليها تقاطعات بعض الملفات الدولية لا سيما موقف المنظومة الدولية من ملف مخاطر النفوذ الإيراني ووصولهم إلى مياه البحر الأبيض المتوسط وهذا المشروع عمل عليه ا”لخميني” منذ أن استقدم من فرنسا ومذ سيطر الأسد على السلطة في سوريا عبر انقلاب عسكري وعمل على وضع حجر الأساس للمشروع بالتزامن مع الحرب العراقية الإيرانية منذ 1980 وحتى يومنا هذا، لكن معالم المشروع لم تكن بذات الوضوح للغالبية العظمى من مكونات المجتمع العربي إذ سلطت الأضواء على مخاطر مشروع الهلال الشيعي الذي أطلق تحذيراته الملك عبدالله الأردني في 2004 تأتي ضمن ذات السياق.
المشروع الإيراني سياسي ببعده الإستراتيجي وتكتيكي ببعده المذهبي فلولا اللعب على العواطف الدينية لما وجدت ركيزة اقتصادية للمشروع وكلا الخيارين يكملان بعضهما، لذلك فالهلال الشيعي كاد أن يرسم بزيادة مشروع اليمن إليه ليصبح المكون العربي بين فكي الكماشة ضمن خياراتهم الاستراتيجية لما يخص التهديد من قبل المشروعين الإسرائيلي والإيراني وأصبح البعض يهرول للتطبيع مع إسرائيل من أجل ضمان تقديم الدعم والحماية اللازمة لعدم اجتياحه من قبل مشروع إيران والبعض الآخر انخرط ضمن مشروع إيران وأمام هذا التموضع باتت المنطقة برمتها هشة نظرا لغياب المشروع العربي لمواجهة المخاطر المحدقة التي تهدده بشكل يومي وعلى مدار الساعة وأصبح وضعهم في الحالة الأشد خطورة، وحتى اللحظة لم يبدأ العرب بالتشاور على تقدير موقف احترازي لمجابهة المشروع الإيراني الأشد خطرا على المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى