قصة قصيرة

بطل من بلدي

ليس البطل فقط من ذاع صيته، وكثرت مناقبه، وسارت بين الناس، فنسجت حوله القصص الخارقة والقدرات المهولة، بل هناك من الأبطال الكثير ممن لم تعرفهم سطور الروايات وزاويا الكتاب، وألسنة القصاص والوعاظ، والثورة السورية أنجبت الكثير منهم الذين مضوا دون أن يشعر بهم أحد، وكانوا أبطالا بكل ما تعنيه الكلمة.
تطول القائمة لذكر أولئك الأبطال، لكنني سأقف اليوم عند بطل آثر الدنيا على نصرة دينه وثورته وحماية أهله. عمر ذو الـ 27 ربيعا شاب جامعي أنهى مرحلة الماجستير بدرجة ممتاز، وحظي بإيفاد للخارج للتدريس بالجامعة، يستعد عمر للسفر برفقة بعض من زملائه إلى دولة ماليزيا، هو الآن يشعر بقمة السعادة والنشوة بعدما وصل للهدف المنشود، في إحدى سهراته مع رفاق المدرسة بعد الانتهاء من مظاهرة ليلية صيف عام 2011 سأله صديقه هل ستسافر حقا؟
أجاب عمر: نعم إن شاء الله
قال الرفيق: وهل ستترك الثورة التي طالما حلمنا بها، ألم تر كيف تحرر المصريون والتونسيون….؟
ترك ذلك الحديث تساؤلا كبيرا لدى عمر وبعد التفكير لمدة 3 أيام، أخبر زملاءه أنه لن يسافر ومزق أوراق السفر.
بعد أيام تمكن زميلاه من السفر إلى الخارج والبدء بالعمل، أما عمر فقد اختار طريق الثورة، وحمل السلاح مع بداية تحول الثورة من السلمية إلى المسلحة، على الرغم من عدم خضوعه للتجنيد الإجباري ما قبل الثورة في جيش الأسد إلا أنه اكتسب حنكة عسكرية وفكرا تكتيكيا بارع.
في عام 2013 عين عمر قائدا لأحد الكتائب الثورية لما يتحلى به من الأخلاق والحنكة، فشارك في العديد من المعارك، لعل أهمها تحرير مدينة الرقة، ومطار تفتناز، ومعارك حلب وحماة بالإضافة إلى معارك التحرير في الساحل السوري، ولم يكن معروفا كثيرا في بلده فكان جنديا مجهولا مع مكانته القيادية في الثورة السورية.
استطاع تأسيس لواء عسكري في كتائب تحرير الشام، وتسليحه، فكان اللواء فعالا في معارك حلب واللاذقية عام 2014، وكان مثالا للطبقة المثقفة التي حملت على عاتقها الدفاع عن حقوق السوريين المسلوبة من عصابة الأسد، فلم يكتف بالكلام والتنظير كحال كثير من المثقفين اليوم بل حمل السلاح وكان عمليا، لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، فآمن بهذه الفكرة وعمل بها وأعطاها جهده ووقته وفكره.
كان ميعاد ذلك الفتى أن يرحل عن هذه الدنيا مبكرا قبل أن ينهي عقده الثلاثين، مقبلا غير مدبر في إحدى معارك التحرير بريف اللاذقية مع عصابات الأسد، عام 2014، فارتقى شهيدا على قمة تدعى قمة “تشالما” في جبال اللاذقية أثناء قيادته للمعركة من الداخل في الصفوف الأولى، نعم رحل ذلك البطل الذي لم يلتفت لزينة الدنيا ولم يلتفت للمثبطين ولم يغتر يوما بمكانته الاجتماعية، فكان متواضعا مخلصا.
إنه رجل من مئات الرجال الذين كانوا جسرا للثورة للوصول إلى هذه المرحلة، دماؤهم كانت شعلة أنارت لنا الجامعات، وأوقدت لنا المعامل، وحفظت لنا كرامتنا وهويتنا أمام سيل مغولي همجمي، فلن توفيهم بضعة سطور حقهم، وكفى بالله أنه تكفل بجزائهم، ونسأل الله أن يجعلنا وإياهم من أهل الجنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى