قصة قصيرة

مقاتل فقد صديقه في أرض المعركة

فريق التحرير

اعتاد محمد وزين على ارتياد صالة الألعاب سويا بعد كل مساء، واعتادا شرب السجائر والسهرات الشبابية، حياة روتينية كانت تلقي بظلالها على شابين حالهما كحال آلاف الشباب السوري، لم يكن يمثل المستقبل لديهما أبعد من الزواج وامتلاك منزل مستقل ناهيك عن الصراع لتحصيل لقمة العيش تلك كانت هي الأيام تسير حتى الخامس عشر من آذار عام 2011 عندما تلا أحد الشباب في إحدى سهرات محمد وزين الشبابية خبر مظاهرة دمشق الأولى، ليجري نقاش هامشي بعدها،وما يلبث الحديث أن ينتهي بعبارة ” الحيطان لها دانات” وخلونا بحالنا.
بعد مرور أسبوع جلس محمد وزين وفي نفس كل واحد منهما جبال من التساؤلات، ماذا يحدث؟ وهل ستستمر الاحتجاجات في درعا؟ وماذا ستفعل الأجهزة الأمنية؟ أسئلة لم تتضح إجاباتها بعد، غير أن محمد ختم حديثه قائلا : يقول أبي سيحصل كما حصل في الثمانينات دون معرفتهما بالذي حصل في الثمانينات.
لم يطل الأمر حتى انتقلت الثورة لمدينة حمص ليخرج محمد وزين أول مرة بغرض التسلية والمشاهدة، مرة تلو مرة اقتنعا أكثر فأكثر فبدأت حناجرهما تصدح وسط الجموع لم يكن للشابين أدنى فكرة عن خباثة الأجهزة الأمنية فهناك رجال أمن داخل المتظاهرين، اعتقل زين بينما تمكن محمد من الهرب في إحدى حملات الأمن لدى نظام الأسد على أحياء حمص.
بدأ شيء من الخوف يتسلل لقلب محمد بعد فقدان صديقه فكان يتظاهر مقنعا كيلا يلاقي المصير ذاته، شهر كامل لم يعلم محمد عن زين شيئا حتى نجح أهل زين بتحديد مكانه وإخراجه مقابل مبلغ مادي كبير.
خرج زين يعاني من تجربة مر بها مئات آلاف المعتقلين شاحب الوجه هزيل الجسد مقلوع الأظافر، ظن محمد أن زين سيعلن استسلامه للخوف الذي زرعته الأجهزة الأمنية داخله خلال أكثر من شهر، إلا أن زينا ازداد صلابة وتمسكا بالثورة وبدأ الطريق يتبلور أمامه أكثر، أخبر محمد أن مثل هؤلاء لا تنفع معهم المظاهرات ولا الاحتجاجات فنحن نواجه مجرمين، قصّ عليه قصص المعتقلين وتعذيبهم ووحشية السجانين.
خروج زين شكل نقطة تحول فارقة فهو قرر حمل السلاح والانضمام للجيش الحر المشكل حديثا، طرح الفكرة على محمد الذي قابله بالرفض معللا أنهم مدنيون وليس عليهم حمل السلاح، والجيش الحر هو فقط للمنشقين، ثم إن ذلك سيشكل خطرا على أهلهم، كل تلك التبريرات لم تكن نابعة عن قناعة من محمد لأنه كان يرى كيف يسقط الشباب في ساحات التظاهر برصاص الأمن دون مقاومة أو محاسبة.
ما هي إلا أيام حتى يحسم الاثنان أمرهما ويلتقيا بأحد المنشقين وتبدأ رحلة الثورة المسلحة في حياتهما، محمد وزين ليسا ذلك الشابين القديمين، فاليوم يحملان هما ويسعيان لتحقيق هدف سامي، يعرفان أين هما وماذا عليهما.
عاشا تفاصيل المعارك في حمص والحصار لحظة بلحظة تقاسما الحزن والفرح الجوع والشبع، كانا يشدان من عزيمة بعضهما البعض، ودعا بلديهما معا ليحاربا نظاما مجرما في ريف حمص الشمالي والشرقي.
كانت الأيام بعسرها ويسرها تمتلئ بالتفاؤل والعزيمة والإصرار، حتى جاء اليوم الذي كان فاجعة لمحمد، في إحدى المعارك الليلية وأثناء اقتحام إحدى نقاط نظام الأسد المجرم ارتقى زين شهيدا جميلا خاتما حياته بأبهى صورة وأجمل خاتمة يمكن أن تختم لمجاهد خرج من بلده مجبرا، وأقسم الانتصار للمظلومين.
الخبر كان صاعقة على محمد الذي لم يصدق الأمر للوهلة الأولى، دخل في نفق مظلم من اليأس والحزن، ذهب عونه وسنده ورفيق دربه، فهو من كان يدفعه للأمام ويهون عليه ويحفزه، بعد أيام نفض محمد غبار الحزن عن كاهله وأقسم أن يكمل طريقا رسمه زين ومن سبقوه قبله.
محمد اليوم رغم كل التهجير والصعاب والظروف القاسية يقف شامخا على جبهات إدلب وحلب وحماة واللاذقية، يقارع محتلا سلبه أرضه، ويطلب ثأرا لرفيق عزّ عليه فقده، كأنه كتلة من التصميم والتفاؤل وصخرة فولاذية لا تقهر تشد من عزيمته ذكرى رفاق وهوى أرض طال الفراق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى