تقرير مكتوب

سقوط حلب … محنة ربما تلد منحة

حلب الشهباء ترزح اليوم تحت احتلال عصابات الأسد والميليشيات الإيرانية التي لم تستطع انتزاعها من أيدي أهلها إلا بعد أن تكبدت آلاف القتلى والجرحى في صفوفها، وبعد أن دمرت الأحياء، وألقى طيرانها المروحي أطنان المتفجرات في الحاويات والبراميل، فقتلت وجرحت آلاف المدنيين والثوار.

خمس سنوات من الحرية

استنشقت مدينة حلب هواء الحرية والكرامة ما يزيد عن خمس سنوات بعد تحريرها سنة 2012 وطرد عصابات الأسد منها، وخاض فيها الثوار تجربة كبيرة في الدعوة والتعليم والإدارة وإنشاء المحاكم الشرعية، فتذوق اهلها طعم الحرية بعد سطوة آل الأسد عليها عقودا طويلة.

سقوط حلب وإستراتيجية “دبيب النمل”

انتهجت عصابات الأسد بعد التدخل الإيراني والروسي استراتيجية “دبيب النمل” والتي تتركز على التقدّم البطيء وقضم المناطق المحررة خطوة بعد خطوة لتثبيت النقاط الجديدة، حيث تستخدم سياسة “الأرض المحروقة” وذلك باستهداف المنطقة التي تريد السيطرة عليها بآلاف الصواريخ والبراميل المتفجرة والقذائف لإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية والمادية.
فبعد احتلال عصابات الأسد بدعم من إيران وميليشيا حزب الله اللبناني بلدة القصير وتأمين طريق دمشق الساحل، أطلقت حملة عسكرية تهدف لفك الحصار عن حلب، بدعم من عشرات الميليشيات الشيعية، حيث كانت تهدف كمرحلة أولى لاحتلال مدينة السفيرة الإستراتيجية جنوب حلب، والتي كانت منطلقا للسيطرة على منطقة الشيخ نجار وفك الحصار عن سجن حلب ونبل والزهراء وأخيرا السيطرة على الأحياء الشرقية لحلب وتهجير الثوار والأهالي منها.

المعركة الأخيرة في حلب

في شهر آذار من العام 2016، أطلقت عصابات الأسد والميليشيات الموالية لها عملية عسكرية سميت بـ”معركة حلب الكبرى ” للسيطرة على الأحياء الشرقية من حلب، فشنت هجوما هدفه النهائي قطع طريق “كاستيلو” السريع لإحكام الحصار على أحياء حلب وخنقها، وإجبار من فيها على الاستسلام والتهجير، على غرار ما حصل في مناطق أخرى مثل حمص والزبداني، ولم تنجح في تحقيق هدفها إلا بعد عشرات المعارك التي سطرت خلالها الفصائل الثورية البطولات وقدمت فيها التضحيات.
وفي الـ4 من أيلول 2016 سيطرت عصابات الأسد على الكليات: التقنية، التسليح، والمدفعية، ما دفع الفصائل لشن هجوم عكسي تمكنوا فيه من فك الحصار جزئيا والذي لم يدم طويلا لشدة القصف، ثم بدأت عصابات الأسد والميليشيات الموالية التقدم تدريجيا باستخدام سياسة الأرض المحروقة والتي انتهت بسقوط حلب بالكامل وتهجير أهلها في الـ21 من كانون الأول.

تهجير برعاية الأمم المتحدة

كعادة الأمم المتحدة في تطبيق وظيفتها المتمثلة باستبدال البيوت بالخيام أشرفت على تهجير أهل حلب منها، حيث رسخت في الأذهان صور أرتال الحافلات الخضراء التي أصبحت رمزا للتهجير القسري للسوريين من مدنهم وقراهم وهي تقل أهالي حلب لإبعادهم عنها.

حصيلة ضحايا حلب

بلغ عدد الشهداء الموثقين في مدينة حلب 51731 شهيدا، وهذا رقم غير نهائي بل يعكس الحد الأدنى من الضحايا، فمن المرجح أن تكون الحصيلة الحقيقية أكبر من ذلك بكثير، بالإضافة لعدد لا يحصى من المصابين بينهم إعاقات دائمة، كما فقدت المدينة التي كانت أبرز مراكز التجارة والإنتاج أهميتها بالكامل جراء القصف المكثف لعصابات الأسد والميليشيات الموالية لها حيث تعرضت لدمار هائل لا يزال يخيّم عليها حتى يومنا هذا.
في القواعد العسكرية يعتبر الهدف النهائي للحرب هو تدمير قدرة المدافعين عل القتال أو الحرب مستقبلياً، فبرغم أن سقوط حلب كان ضربة قاسية وذكرى أليمة إلا أنها لم تقض على الثورة والرغبة العارمة لدى الناس في الحرية والكرامة، حيث أن مجاميع الثوار في ازدياد والتجهيزات العسكرية والتطويرات الدفاعية والهجومية لا تزال على اشدها ، حيث أن الهدوء الحالي يمكن أن ينقض في أي لحظة، لتكون الفصائل العسكرية مهاجمة لا مدافعة ومستعدة لأي سيناريو تجهزه عصبات الأسد والاحتلالين الروسي والإيراني في المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى