تحليل عسكري

مستقبل الاقتصاد في مناطق عصابات الأسد بعد التطبيع العربي

لا يمكن الجزم بمعرفة الهدف من إعادة عصابات الأسد إلى الجامعة العربية واستعادة مقعدها ضمن منظومة الدول العربية، لكن ربما هو تجنب شرها فيما يخص شحنات المواد المخدرة القادمة من مناطقها، ويمكن أن يكون الهدف من إعادتها هو عزلها عن حليفها المحتل الإيراني الذي بدأ بالتوغل في المنطقة العربية، ويمكن أن يكون الهدف هو تطبيق القرارات الدولية فيما يخص تشكيل هيئة حكم انتقالي في سوريا وإبعاد الأسد عن السلطة، والاحتمال الأخير الأقل ترجيحاً يتمثل في إعادة تعويم العصابة واستعادة مقعدها في الجامعة العربية، وبصرف النظر عن الأسباب والغايات فالتطبيع هو خذلان للشعب السوري الذي قدم الغالي والرخيص لاستعادة حريته المسلوبة وامتلاك قراره.
والمفارقة أن العرب كانوا أول المطبعين مع العصابة وسبقوا الدول الغربية في ذلك، وهذا الخذلان لن يزيد الشعب السوري إلا مزيدا من الإصرار والثبات على مبادئه، وأن استعادة العصابة لمقعدها في الجامعة العربية لا يعني أبدا تحقيق التنمية الاقتصادية في مناطق العصابة، فالأخيرة منهارة اقتصادياً وتعتمد على تجارة المخدرات وبيع أصول الدولة السورية للمحتلين الروسي والإيراني مقابل الدعم العسكري لاستعادة حكمه، حيث وقع عقد مع المحتل الروسي لمدة 49 سنة لتأجير مرفأ طرطوس أي أن المرفأ هو أرض غير سورية في الوقت الحاضر وجميع عائداته للمحتل الروسي، كما تعاقدت مع المحتل الإيراني لاستثمار مناجم الفوسفات في سوريا التي تعد الخامسة عالمياً في احتياطي الفوسفات وتجاوزت الصادرات السورية 3 ملايين طن سنوياً قبل عام 2011، فالعصابة اليوم تحقق أعلى معدلات الفقر ليصل ترتيبه إلى درك الدول الأكثر فقراً في العالم بمستوى دخل يقل عن 900 دولار سنوياً للمواطن، والليرة السورية تحقق مزيدا من التدهور بعد استعادة مقعد سوريا في جامعة الدول العربية بسبب فقدان الثقة في اقتصاد العصابة وعجزها عن إشباع الحاجات الأساسية لمواطنيها.
وبعد أن فقدت العصابة السيطرة على آبار النفط في شرق سوريا التي تعد المصدر الرئيس للقطع الأجنبي فإنها فقدت القدرة على تمويل عجلة الإنتاج وفقدت القدرة على التبادل الاقتصادي مع الدول الأخرى وأصبحت عاجزة حتى عن تأمين المواد الغذائية الأساسية والمحروقات ومتطلبات المعيشة اللازمة للأسرة، وقدرة العصابة على النهوض بعد استعادة مقعدها في الجامعة العربية لا تختلف أبداً عن قدرتها على النهوض قبل استعادة مقعدها في الجامعة العربية، فالعقوبات الأمريكية وأهمها قانون قيصر لا تزال قائمة والمقاطعة الغربية مستمرة والإنفاق العسكري أرهق خزينة الدولة السورية والفساد وسيطرة الأجهزة الأمنية على مفاصل الدولة يمنع أي محاولة لإعادة النهوض بالاقتصاد نحو تحقيق معدلات للتنمية، فجميع المؤشرات الاقتصادية من بطالة ودخل واستهلاك وميزان مدفوعات في أدنى مستوياتها سواءً بالمقارنة مع أرقام سابقة أو المقارنة مع دول أخرى، والمؤشرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية جميعها لا توحي بأي إمكانية لتحقيق تنمية واستقرار اقتصادي في مناطق العصابة.
حتى أن العصابة أصبحت عاجزة عن دفع الرواتب والمستحقات للعاملين لديها وبدأت ببيع ما تبقى من مرافق حيوية للمحتل الروسي والإيراني كنوع من تسديد الفواتير على حساب الشعب السوري، أي أن العصابة لا تهتم بمستقبل الأجيال القادمة في سوريا التي سوف تدفع هذه الفواتير إنما تهتم فقط بالبقاء على الكرسي وجميع هذه الفواتير ستقوم الأجيال القادمة بسدادها لأنها فواتير مترتبة على الدولة السورية، والموالون في مناطقها يراهنون على مقدرتها لتحسين الأوضاع المعيشية في سوريا، وهذا رهان على جواد خاسر لأن عصابات الأسد هي أشبه بحالة الموت السريري حيث أنها الأسوأ في مؤشراتها الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والسياسية، وإن استعادة الليرة السورية لعافيتها يعتمد على مقومات اقتصادية بالدرجة الأولى وأهمها توفر القطع الأجنبي وإمكانية التبادل التجاري مع الدول الأخرى وهذين الأمرين غير متاحين في المستقبل المنظور.
وختاما فإن النهوض الاقتصادي في مناطق عصابات الأسد لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال استقرار الوضع السياسي وإنجاز تسوية سياسية على الأرض فالتنمية تعتمد على الاستقرار وفي حالة غياب الاستقرار لا يمكن أبداً الحديث عن أي مؤشرات تنموية في مناطق سيطرة عصابات الأسد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى