حوار صحفي

حوار صحفي مع الأستاذ “يونس كريم” حول التعاطي الدولي مع الثورة السورية والغزو الروسي لأوكرانيا في المجالات الإنسانية والعسكرية والسياسية

1- برأيك ما الفروقات بين الدعم العسكري الذي قدم للثورة السورية وما قدم لأوكرانيا؟

لا يقارن حجم الدعم المقدم لأوكرانيا مع الدعم المقدم لسوريا وذلك لأسباب عديدة:
1_ السبب الأول: هو عامل الوقت فالحرب في أوكرانيا لم يمض عليها سوى عدة أشهر، في حين مضى على انطلاق الثورة السورية أكثر من 12 سنة تقريبا
2_ السبب الثاني: هو طبيعة الحرب ففي أوكرانيا حرب صريحة بين طرفين دولييين هما أوكرانيا وروسيا أما في سوريا فهي ثورة شعبية انطلقت ضد نظام ظالم.
3_ السبب الثالث: هو الفارق في الأهمية الإستراتيجية بالنسبة للاتحاد الأوروبي والعالم الغربي فأوكرانيا تشكل بوابة العالم الغربي وطبيعة الناتو الذي تشكل من أجل محاربة روسيا، أما عامل الدعم في الثورة السورية فهو العامل الإنساني ثم العامل الجيوسياسي، بينما في أوكرانيا كان العامل الجيوسياسي أولا ثم العامل الإنساني بعده.
4_ السبب الرابع: في طبيعة الدعم هو الخطط الإستراتيجية الطويلة الأمد بالنسبة للعالم الغربي إذ تشكل روسيا أحد هذه الإستراتيجيات بعيدة الأمد، أما في سوريا فحجم سوريا لا يشكل شيء يذكر بالنسبة لهذه الإستراتيجية، بالطبع هي مفصل مهم لكن ليس على مستوى أنه يشكل إستراتيجية على عكس روسيا.
5- السبب الخامس: فحجم الدعم والاختلاف وتأثير روسيا على الاتحاد الأوروبي والعالم الغربي مقارنة بتأثير سوريا على العالم الغربي أما كمقارنة بين الأرقام فلا أحد يستطيع التيقن على وجه التحديد من حجم الأرقام لأسباب عديدة أيضا وهي:
أولا: أن أمريكا تبيع لأوكرانيا أو تمنحها المساعدات الحربية التي تصرح عن جزء منها على أنها بسعر الكلفة، وهذا غير معلوم فهي تقول إنها ستمنح أوكرانيا 13 مليار قيمة الأسلحة لكن الحقيقة أن قيمة هذه الأسلحة أكثر من 36 مليار وسبب هذا الاختلاف أن الأسلحة تسلم لأوكرانيا بسعر الكلفة على عكس سوريا فهي منحت مساعدات عسكرية بقيمة السوق.
ثانيا: أن الأسلحة التي قدمت إلى أوكرانيا من أحدث الطرز وتشرف عليها أجهزة استخبارات عالمية توزيعا واستخداما وتدريبا وإدارة، في حين ما منح لسوريا كان من السوق السوداء لذلك كان حجم الكلفة أكبر بكثير من تأثيرها ووجودها بالساحة العسكرية على عكس أوكرانيا التي وصلتها أسلحة متطورة وتم تدريب كوادرها من قبل أجهزة الاستخبارات العسكرية بإشراف وزارة الدفاع، أيضا الدعم العسكري يمكن اعتبار جميع الدعم الذي قُدم لأوكرانيا هو دعم عسكري والذي يقارب تقريبا 24 مليار ونصف دولار هذا المصرح عنه، لكن الحجم العسكري لا يمكن التصريح عنه كي لا تدخل بعض الدول بعداء مع روسيا من ناحية ولأنه يعد من الأسرار العسكرية من ناحية أخرى، فمن خلال حجم المبلغ يعرف حجم تدخل تلك الدول بالحرب وبالتالي فإن روسيا وحلفاءها كالصين ودول “بريكس” قد تأخذ موقفا عدائيا من هذه الدول التي تشارك في الحرب، لذلك لا يوجد رقم حقيقي واضح للدعم للعسكري، أما في سوريا فهي الأخرى لم يكن ظاهر الرقم العسكري حيث أنه اختلط الدعم الإنساني والعسكري والمدني، وخاصة مع عدم وجود قيادة موحدة كأوكرانيا وبالتالي هذا الدعم اختفى وتبخر وسرق جزء كبير، فالأرقام تشير إلى أكثر من 40 مليار دولار تم تقديم الدعم وهو ما يوازي حجم الدعم الذي قدمه كل من المحتل الروسي والإيراني أي أن الكفتين بين المحتل الروسي والإيراني وبين ما قُدم للمعارضة كان متماثلا، لكن كان الأداء سيء بسبب الفساد وعدم وجود قيادة موحدة وكذلك التلاعب الإقليمي والدولي بالمعارضة.

2- غزت روسيا أوكرانيا في ال24 من شباط ورأينا دعما دوليا كبيرا للدولة الأوكرانية فما سبب ذلك بالرغم أن العدو واحد وهو “المحتل الروسي”؟

إن روسيا تعد من ضمن الخطط الأمريكية لإعادة رسم الاقتصاد العالمي لارتباطها بالصين وبالتالي فإن هذا الأمر شكل حافزا كبيرا للتدخل الحقيقي والعميق للدول الغربية وهذا الأمر صرح به “ترامب” للمستشارة الألمانية بأن روسيا التي يسعون إلى محاربتها عبر الناتو لا يستطيعون العيش بدون غازها وأن عليها أن تعيد نظرتها إلى طبيعة العلاقات مع روسيا، فروسيا كانت بداية الحجر “الدينمو” الذي سوف يغير الاقتصاد العالمي ويغير الاصطفاف العالمي والأقطاب العالمية، وقد كان لهذه الحرب تأثير عالمي شديد، ولها ارتدادات اقتصادية وغذائية وعلى أسعار الطاقة وعند بداية هذه الحرب تجرأت كثير من الدول على أخذ مواقف عنيفة ضد أمريكا وضد الاتحاد الأوروبي وضد روسيا.

3- في المجال الإنساني، ما الفارق بين الدعم الإنساني للثورة السورية وللدولة الأوكرانية؟

لا فارق في المجال الإنساني بين أوكرانيا وسوريا، ولكن طول المدة بالنسبة لسوريا أحدث فارقا كبيرا، كما أن تنظيم الأمور له دور كبير، فالاتحاد الأوروبي بأجهزته الرسمية وغير الرسمية يدعم أوكرانيا.، في حين أن الملف السوري متابع عبر وزارة الخارجية ثم انتقل إلى منظمات المجتمع المدني، كما نشاهد انقسام العالم بشأن الملف السوري، وترك المجال لبشار الأسد وبشار الجعفري للتكلم بما يشاؤون والتطاول بسبب دعم روسيا والصين لهما، بينما في الملف الأوكراني كان هناك ضعط دولي حقيقي على روسيا ومن يساندها كما فتح المجال لزيلنسكي للتحدث للبرلمانات لكسب المناصرين لقضيته، على عكس المعارضة السورية التي فرضت على الشعب السوري.

4- هل تتوقع تقلص الدعم عن المناطق المحررة في سوريا في المستقبل؟

الدعم المستقبلي للملف السوري سيتناقص لأننا ندخل في المرحلة الرابعة، فأول مرحلة كانت الدعم الإنساني ثم مرحلة الدعم العسكري ثم تقليص الدعم أو الاقتصار على المنظمات الإنسانية، والمرحلة الرابعة هي تكييف البيئات مع الحلول السياسية، والتكييف يقصد به الضغط على الأفراد وعلى الأطراف المتنازعة لقبول الحل السياسي واقتصار المساعدات على المشاريع الحيوية المهمة التي تُمكّن من تقديم الحد الأدنى من العامل الإنساني للبقاء بالدولة وهذا الأمر بدأنا نلاحظه من خلال مؤتمر “بروكسل” الأخير وحجم المنح التي سحبت أو توقفت وذلك لمنع استمرار الصراع وإجبار الفرقاء على حسم أمرهم والجلوس على طاولة المفاوضات ثم بلورة الرؤية السياسية والاقتصادية التي يريدونها.

5- ما الفروقات بين الدعم السياسي المقدم للثورة السورية وبين ما يقدم للدولة الأوكرانية؟

أولا: تمثل الدعم السياسي لأوكرانيا في المحافظة على الدولة الأوكرانية، فالاتحاد الأوروبي وأمريكا سعوا للحفاظ عليها فزارها معظم رؤساء الوزراء رغم استمرار القصف على “كييف”
ثانيا: فتح المجال لمجالس النواب والبرلمانات للدول للتكلم مع زيلينسكي على عكس السوريين الذين اقتصرت لقاءاتهم مع وزراء الخارجية دون الحصول على تأييد سياسي شعبي -هذه نقطة مهمة-.
ثالثا: وهو المهم فهناك سياسيون محترفون عملوا على ترسيخ خبرة السياسيين الأوكرانيين؛ فنشاهد تطور أداء زيلينسكي وأعضاء حكومته على عكس ذلك فالسياسيون السوريون كان مستوى أدائهم متدنيا، وارتكبوا أخطاء شنيعة أدت إلى نفور دول كثيرة من مساعدات الشعب السوري وثورته، كما أن الأمريكان والأوربيين استطاعوا المحافظة على الحكومة الأوكرانية وحماية زيلينسكي من عمليات التصفية على حين أن المعارضة السورية لم تمنح فرصة لانتخابات سياسية حرة ونزيهة؛ لتنتج من يمثلها فتكسب تأييد الداخل والخارج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى